الوطني للثروات: سلسلة مقالات "قيادة الفكر" الانتخابات الأمريكية 2024: تغيير قواعد اللعبة أو لا تغيير على الإطلاق
تحمل نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية المقرر اجراؤها قبل نهاية العام الحالي في طياتها العديد من المخاطر التي سيكون لها تأثيرا واضحا على آفاق الاقتصاد العالمي، وبالتالي على الأسواق المالية، نظراً للتحولات التي يشهدها النظام الدولي حالياً. وبالإضافة إلى نتائج السباق الرئاسي، يأتي التجديد الكامل لمجلس النواب وانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ ليزيد من أهمية تحليل هذا الحدث السياسي.
ويعتبر سيناريو "الجمود" السياسي هو الأكثر ترجيحاً، حيث يعتبر السيناريو الخيار المفضل للأسواق المالية لأنه يقلل من فرص إقرار سياسات حزبية مثيرة للجدل قد تتسبب في اضطرابات غير متوقعة على الرغم من احتمال أن يودي ذلك إلى مفاوضات طويلة للوصول إلى حلول وسط. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد سيناريو ما يسمى "بالهيمنة الشاملة" لأحد الحزبين، والذي قد يحمل تداعيات تنطوي على تغييرات واسعة وعميقة لمختلف السياسات في مجالات متعددة. فعلى المديين القصير والمتوسط، من المحتمل أن تلعب السياسة الأميركية دوراً جوهريا في حركة الاقتصاد والأسواق، بينما التأثيرات الأعمق سوف تنعكس على السياسات الأمريكية بعيدة المدى.
سيناريوهات نتائج الانتخابات الأمريكية و السياسات المتوقعة المرتبطة بتلك النتائج:
- اكتساح الجمهوريين (سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض والكونجرس) فمن المتوقع أن يشهد هذا السيناريو إعادة تنظيم جذري للعلاقات التجارية، وإلغاء القيود التنظيمية المفروضة على بعض القطاعات، فضلاً عن تشديد قواعد الهجرة وتيسير السياسة المالية.
- اكتساح الديمقراطيين (سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض والكونجرس): وسوف يؤدي ذلك إلى سياسة مالية أكثر تيسيراً وزيادة في الإنفاق، مع تغييرات محدودة في سياسات التجارة والهجرة، وتعديلات طفيفة في الإطار التنظيمي.
- حكومة منقسمة / ترامب (سيطرة الجمهوريين على البيت الأبيض، انقسام الكونجرس): قد يؤدي هذا السيناريو إلى إعادة تنظيم دراماتيكي للعلاقات التجارية، مع تشديد قواعد الهجرة، وتيسير السياسة المالية، بالإضافة إلى تغييرات محدودة في الإطار التنظيمي.
- حكومة منقسمة / هاريس (سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض، انقسام الكونجرس): ومن المتوقع أن يشهد هذا الوضع أعلى درجات "الجمود" السياسي، مع تغييرات ضئيلة في سياسات التجارة والهجرة، واحتمالات منخفضة لتبني سياسة مالية توسعية، في حين يبقى الإطار التنظيمي بشكل عام دون تغيير.
نستعرض الآن الاختلافات الرئيسية في المواقف المحتملة للمعسكرين حول قضيتين رئيسيتين: التجارة والسياسة المالية. إذ يمكن أن يكون للقضيتين آثاراً مباشرة على أسعار الفائدة وأسواق العملات والأسهم، ينتج عنها تبعات ذات تأثير على المستوى العالمي.
المجال الوحيد الذي يشهد تقارباً كبيراً بين الحزبين هو السياسات المتعلقة بالصين. لذلك، فمن المرجح أن يستمر الرئيس الأمريكي المقبل في دعم السياسات التجارية التي تدعم التفوق التكنولوجي الأمريكي وتعزز الأمن القومي. من هذا المنظور، يتعين على الأسواق أن ترحب بالنهج التدريجي لإعادة تنظيم المصالح الأمريكية بعيداً عن المنافسة الآسيوية، من خلال إعادة أنشطة التصنيع إلى الأراضي الأمريكية، وتعزيز الابتكار التكنولوجي، وإعادة توجيه التجارة نحو شركاء الولايات المتحدة وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (المكسيك وكندا). وعلى النقيض من ذلك، تنتظر الأسواق مخاطر أكبر إذا تم اعتماد زيادة كبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات، حيث أن الإجراءات الانتقامية المحتملة من الدول المتضررة قد تؤدي إلى ديناميكيات سلبية تؤثر على التجارة والنمو العالمي.
وتسعى أجندة ترامب إلى رفع التعريفات الجمركية بوتيرة حادة (تصل إلى 60% على الواردات من الصين و10% على باقي الواردات من مختلف دول العالم). وهنا تجدر الإشارة إلى أن المكسيك أصبحت الآن أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.
وإذا تم تطبيق هذا الاقتراح، فمن المتوقع أن يشهد الاقتصاد ارتفاعاً مؤقتاً في معدلات التضخم، إذ من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم الأساسي بنحو 0.3-0.4%. وإذا تم اعتماد تعريفة عالمية بنسبة 10% على جميع الواردات، قد يصل التأثير على أسعار المستهلكين إلى مستويات أعلى بنحو ثلاثة أضعاف تقريباً. من جهة أخرى، في حال تولي الحكم إدارة ديمقراطية جديدة، هناك فرصة ضئيلة لزيادة التعريفات الجمركية.
وفي ظل إمكانية ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي نتيجة لزيادة أسعار الفائدة، فقد يساهم ذلك في الحد من التداعيات السلبية. حيث أظهرت عمليات المحاكاة أن الارتفاع بنسبة 10% في قيمة الدولار قد يؤدي إلى خفض التضخم الأساسي بنحو 0.4%. بالإضافة إلى ذلك، قد يقلل انخفاض حجم التجارة الخارجية من أهمية بعض السلع، حتى في حال كانت البدائل المحلية أكثر تكلفة.
كذلك يعتبر توقيت التشريعات وتسلسل إصدار أية تدابير جديدة تتعلق بالتعريفات الجمركية وتنفيذها أمراً جوهرياً. وقد يساهم ذلك في الحد من الآثار السلبية الناجمة عن التضخم وزيادة الإنفاق الاستهلاكي.
أما على صعيد السياسة المالية العامة، ترجح التوقعات بأن يؤدي أي من السيناريوهات المحتملة لاكتساح أحد الحزبين للانتخابات الأمريكية إلى زيادة ملحوظة في العجز المالي. ومع ذلك، ستختلف مكونات هذا العجز وفقاً للنتيجة: حيث قد يشهد اكتساح الديمقراطيين زيادة في الإنفاق، بينما سيكون تخفيض الضرائب هو السمة البارزة في حالة اكتساح الجمهوريين. وبصفة عامة، ستتطلب تغييرات السياسة المالية بعض الوقت لتظهر آثارها، إذ ستؤدي الظروف الأكثر مرونة إلى تعزيز النمو على المدى القصير، مما يزيد من الضغوط التصاعدية على التضخم وأسعار الفائدة، مما قد يؤثر في نهاية المطاف سلبا على مستوى النمو العالمي. ومن المتوقع أن تبدأ الأسواق بالتأثر بتداعيات تغييرات السياسة الأمريكية اعتباراً من العام 2026 ، نتيجة لثلاثة عوامل رئيسية:
1. لن تنتهي صلاحية أحكام التخفيضات الضريبية الشخصية المنصوص عليها وفقاً لقانون التخفيضات الضريبية والوظائف للعام 2017 قبل نهاية العام 2025.
2. سوف يكون الكونجرس منشغلا في خوض مناقشات معقدة حول سقف الدين، مع اقتراب موعد انتهاء تعليق هذا السقف في 1 يناير 2025.
3. في ظل غياب التوقعات بحصول أي من الحزبين على أغلبية تصل إلى 60 مقعداً في مجلس الشيوخ، فإن عملية تمرير أي تشريع رئيسي ستستغرق وقتاً طويلا.
نعتقد بأن المخاطر المالية الرئيسية التي قد تتعرض لها الأسواق مرتبطة بالتمديد الكامل لقانون التخفيضات الضريبية الفردية عندما تنتهي صلاحيتها ، مما قد يشكل مصدر المخاطر الأكبر بالنسبة للنمو الاقتصادي، معدلات التضخم، ومستويات الدين الحكومي.
في العام 2017، تم خفض معدل الضريبة الفيدرالية على دخل الشركات إلى 21%، مما وضع الولايات المتحدة في موضع تنافسي مع نظرائها الدوليين. وفي حال تحقق سيناريو اكتساح الجمهوريين، قد نشهد تخفيض هذه الضريبة بمعدل أعمق يصل إلى 15%. بالمقابل، فإن اكتساح الديمقراطيين قد يؤدي إلى رفع هذه النسبة إلى 28%.
ومن المتوقع حالياً أن ترتفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي من 102% في العام 2026 إلى 125% في العام 2035، على أن تستمر في النمو بوتيرة تفوق النمو الاقتصادي في ظل خطط كلا المرشحين (هاريس: 133%، ترامب: 142%، أي زيادة بنسبة 8% مقابل 17% من الناتج المحلي الإجمالي في أي من السيناريوهين).